الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)
والمصدر الحصانة بفتح الحاء. والمراد بالمحصنات هنا: ذوات الأزواج.وقد ورد الإحصان في القرآن لمعان، هذا أحدها. والثاني يراد به الحرّة، ومنه قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات} [النساء: 25] وقوله: {والمحصنات مِنَ المؤمنات والمحصنات مِنَ الذين أُوتُواْ الكتاب مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]. والثالث يراد به: العفيفة ومنه قوله تعالى: {محصنات غَيْرَ مسافحات} [النساء: 25]، {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مسافحين} [النساء: 24، المائدة: 5]. والرابع المسلمة، ومنه قوله تعالى: {فَإِذَا أُحْصِنَّ}.وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية، أعني قوله: {والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم} فقال ابن عباس، وأبو سعيد الخدري، وأبو قلابة، ومكحول، والزهري: المراد بالمحصنات هنا: المسبيات ذوات الأزواج خاصة، أي: هنّ محرّمات عليكم إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من أرض الحرب، فإن تلك حلال، وإن كان لها زوج، وهو قول الشافعي: أي: أن السباء يقطع العصمة، وبه قال ابن وهب، وابن عبد الحكم، وروياه عن مالك، وبه قال أبو حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور.واختلفوا في استبرائها بماذا يكون؟ كما هو مدوّن في كتب الفروع. وقالت طائفة: المحصنات في هذه الآية العفائف، وبه قال أبو العالية، وعبيدة السلماني، وطاوس، وسعيد بن جبير، وعطاء، ورواه عبيدة، عن عمر. ومعنى الآية عندهم: كل النساء حرام إلا ما ملكت أيمانكم، أي: تملكون عصمتهنّ بالنكاح، وتملكون الرقبة بالشراء.وحكى ابن جرير الطبري أن رجلاً قال لسعيد بن جبير: أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية، فلم يقل فيها شيئاً؟ فقال: كان ابن عباس لا يعلمها.وروى ابن جرير أيضاً عن مجاهد أنه قال: لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل.انتهى. ومعنى الآية، والله أعلم واضح لا سترة به، أي: وحرّمت عليكم المحصنات من النساء، أي: المزوجات أعمّ من أن يكنّ مسلمات، أو كافرات إلا ما ملكت أيمانكم منهنّ، أما بسبي، فإنها تحلّ، ولو كانت ذات زوج، أو بشراء، فإنها تحلّ، ولو كانت متزوجة، وينفسخ النكاح الذي كان عليها بخروجها عن ملك سيدها الذي زوّجها. وسيأتي ذكر سبب نزول الآية إن شاء الله، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.وقد قرئ: {المحصنات} بفتح الصاد وكسرها، فالفتح على أن الأزواج أحصنوهنّ؛ والكسر على أنهنّ أحصنّ فروجهن من غير أزواجهنّ، أو أحصنّ أزواجهنّ.قوله: {كتاب الله عَلَيْكُمْ} منصوب على المصدرية، أي: كتب الله ذلك عليكم كتاباً.وقال الزجاج، والكوفيون: إنه منصوب على الإغراء، أي: الزموا كتاب الله، أو عليكم كتاب الله، واعترضه أبو عليّ الفارسي بأن الإغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب، وهذا الاعتراض إنما يتوجه على قول من قال: إنه منصوب بعليكم المذكور في الآية، وروي عن عبيدة السلماني أنه قال: إن قوله: {كتاب الله عَلَيْكُمْ} إشارة إلى قوله تعالى: {مثنى وثلاث وَرُبَاعَ} [النساء: 3] وهو بعيد، بل هو إشارة إلى التحريم المذكور في قوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ} إلى آخر الآية.قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص، {وأحلّ} على البناء للمجهول، وقرأ الباقون على البناء للمعلوم عطفاً على الفعل المقدّر في قوله: {كتاب الله عَلَيْكُمْ} وقيل على قوله: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمُ} ولا يقدح في ذلك اختلاف الفعلين، وفيه دلالة على أنه يحل لهم نكاح ما سوى المذكورات، وهذا عام مخصوص بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من تحريم الجمع بين المرأة، وعمتها، وبين المرأة وخالتها.وقد أبعد من قال: إن تحريم الجمع بين المذكورات مأخوذ من الآية هذه؛ لأنه حرّم الجمع بين الأختين، فيكون ما في معناه في حكمه، وهو الجمع بين المرأة، وعمتها، وبين المرأة، وخالتها، وكذلك تحريم نكاح الأمة لمن يستطيع نكاح حرّة، كما سيأتي، فإنه يخصص هذا العموم. قوله: {أَن تَبْتَغُواْ بأموالكم} في محل نصب على العلة، أي: حرّم عليكم ما حرّم، وأحلّ لكم ما أحلّ لأجل أن تبتغوا بأموالكم النساء اللاتي أحلهنّ الله لكم، ولا تبتغوا بها الحرام، فتذهب حال كونكم: {مُّحْصِنِينَ} أي: متعففين عن الزنا: {غَيْرَ مسافحين} أي: غير زانين. والسفاح: الزنا، وهو مأخوذ من سفح الماء، أي: صبه وسيلانه، فكأنه سبحانه أمرهم بأن يطلبوا بأمولهم النساء على وجه النكاح، لا على وجه السفاح وقيل: إن قوله: {أَن تَبْتَغُواْ بأموالكم} بدل من {ما} في قوله: {مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} أي: وأحلّ لكم الابتغاء بأموالكم.والأوّل أولى، وأراد سبحانه بالأموال المذكورة ما يدفعونه في مهور الحرائر وأثمان الإماء.قوله: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ فَئَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} {ما} موصولة فيها معنى الشرط، والفاء في قوله: {فَئَاتُوهُنَّ} لتضمن الموصول معنى الشرط، والعائد محذوف، أي: فآتوهنّ أجورهنّ عليه.وقد اختلف أهل العلم في معنى الآية: فقال الحسن، ومجاهد، وغيرهما: المعنى فما انتفعتم، وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي {فآتوهن أجورهن} أي: مهورهنّ.وقال الجمهور: إن المراد بهذه الآية: نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام، ويؤيد ذلك قراءة أبيّ بن كعب، وابن عباس، وسعيد بن جبير: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى فآتوهن أجورهن} ثم نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، كما صحّ ذلك من حديث عليّ قال: نهى النبي صلى الله عليه وسلم، عن نكاح المتعة، وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر، وهو في الصحيحين وغيرهما، وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال يوم فتح مكة: «يا أيها الناس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، والله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة، فمن كان عنده منهنّ شيء، فليخلّ سبيلها، ولا تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئاً» وفي لفظ لمسلم أن ذلك كان في حجة الوداع، فهذا هو الناسخ.وقال سعيد بن جبير: نسختها آيات الميراث إذ المتعة لا ميراث فيها. وقالت عائشة، والقاسم بن محمد: تحريمها، ونسخها في القرآن، وذلك قوله تعالى: {والذين هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافظون إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون: 5، 6] وليست المنكوحة بالمتعة من أزواجهم، ولا مما ملكت أيمانهم، فإن من شأن الزوجة أن ترث، وتورث، وليست المستمتع بها كذلك.وقد روي عن ابن عباس أنه قال بجواز المتعة، وأنها باقية لم تنسخ.وروي عنه أنه رجع عن ذلك عند أن بلغه الناسخ.وقد قال بجوازها جماعة من الروافض، ولا اعتبار بأقوالهم.وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكثير الكلام على هذه المسألة، وتقوية ما قاله المجوّزون لها، وليس هذا المقام مقام بيان بطلان كلامه.وقد طوّلنا البحث، ودفعنا الشبه الباطلة التي تمسك بها المجوّزون لها في شرحنا للمنتقي، فليرجع إليه.قوله: {فَرِيضَةً} منتصب على المصدرية المؤكدة، أو على الحال، أي: مفروضة. قوله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة} أي: من زيادة، أو نقصان في المهر، فإن ذلك سائغ عند التراضي، هذا عند من قال بأن الآية في النكاح الشرعي، وأما عند الجمهور القائلين بأنها في المتعة، فالمعنى التراضي في زيادة مدّة المتعة، أو نقصانها، أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الاستمتاع بها، أو نقصانه.قوله: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ المحصنات المؤمنات} الطول: الغنى والسعة، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، والسدّي، وابن زيد، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وجمهور أهل العلم. ومعنى الآية: فمن لم يستطع منكم غنى، وسعة في ماله يقدر بها على نكاح المحصنات المؤمنات، فلينكح من فتياتكم المؤمنات، يقال طال يطول طولاً في الإفضال والقدرة، وفلان ذو طول، أي: ذو قدرة في ماله. والطول بالضم: ضد القِصَر.وقال قتادة، والنخعي، وعطاء، والثوري: إن الطول الصبر. ومعنى الآية عندهم أن من كان يهوى أمة حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها، فإن له أن يتزوجها إذا لم يملك نفسه، وخاف أن يبغي بها، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة.وقال أبو حنيفة، وهو مرويّ عن مالك: إن الطول المرأة الحرّة، فمن كان تحته حرة لم يحل له أن ينكح الأمة، ومن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج أمة، ولو كان غنياً، وبه قال أبو يوسف، واختاره ابن جرير، واحتج له. والقول الأوّل هو المطابق لمعنى الآية، ولا يخلو ما عداه عن تكلف، فلا يجوز للرجل أن يتزوج بالأمة إلا إذا كان لا يقدر على أن يتزوج بالحرة لعدم وجود ما يحتاج إليه في نكاحها من مهر وغيره.وقد استدلّ بقوله: {مّن فتياتكم المؤمنات} على أنه لا يجوز نكاح الأمة الكتابية، وبه قال أهل الحجاز، وجوّزه أهل العراق، ودخلت الفاء في قوله: {فمن مَا مَلَكَتْ أيمانكم} لتضمن المبتدأ معنى الشرط.وقوله: {مّن فتياتكم المؤمنات} في محل نصب على الحال، فقد عرفت أنه لا يجوز للرجل الحرّ أن يتزوج بالمملوكة إلا بشرط عدم القدرة على الحرّة. والشرط الثاني ما سيذكره الله سبحانه آخر الآية من قوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ} فلا يحلّ للفقير أن يتزوج بالمملوكة إلا إذا كان يخشى على نفسه العنت. والمراد هنا: الأمة المملوكة للغير، وأما أمة الإنسان نفسه، فقد وقع الإجماع على أنه لا يجوز له أن يتزوجها، وهي تحت ملكه لتعارض الحقوق واختلافها. والفتيات جمع فتاة، والعرب تقول للمملوك فتى، وللمملوكة فتاة. وفي الحديث الصحيح: «لا يقولنّ أحدكم عبدي، وأمتي، ولكن ليقل فتاي، وفتاتي» قوله: {والله أَعْلَمُ بإيمانكم} فيه تسلية لمن ينكح الأمة إذا اجتمع فيه الشرطان المذكوران، أي: كلكم بنو آدم، وأكرمكم عند الله أتقاكم، فلا تستنكفوا من الزواج بالإماء عند الضرورة. فربما كان إيمان بعض الإماء أفضل من إيمان بعض الحرائر. والجملة اعتراضية. وقوله: {بَعْضُكُم مّن بَعْضٍ} مبتدأ وخبر، ومعناه: أنهم متصلون في الأنساب؛ لأنهم جميعاً بنو آدم، أو متصلون في الدين؛ لأنهم جميعاً أهل ملة واحدة، وكتابهم واحد ونبيهم واحد.والمراد بهذا: توطئة نفوس العرب؛ لأنهم كانوا يستهجنون أولاد الإماء، ويستصغرونهم، ويغضون منهم: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} أي: بإذن المالكين لهنّ؛ لأن منافعهنّ لهم لا يجوز لغيرهم أن ينتفع بشيء منها إلا بإذن من هي له.قوله: {وآتوهن أجورهن بالمعروف} أي: أدّوا إليهنّ مهورهنّ بما هو بالمعروف في الشرع، وقد استدل بهذا من قال: إن الأمة أحقّ بمهرها من سيدها، وإليه ذهب مالك، وذهب الجمهور إلى أن المهر للسيد، وإنما أضافها إليهنّ؛ لأن التأدية إليهنّ تأدية إلى سيدهن لكونهنّ ماله. قوله: {محصنات} أي: عفائف. وقرأ الكسائي {محصنات} بكسر الصاد في جميع القرآن إلا في قوله: {والمحصنات مِنَ النساء} وقرأ الباقون بالفتح في جميع القرآن. قوله: {غَيْرَ مسافحات} أي: غير معلنات بالزنا. والأخدان: الأخلاء، والخدن، والخدين المخادن، أي: المصاحب، وقيل ذات الخدن: هي التي تزني سرّاً، فهو مقابل للمسافحة وهي التي تجاهر بالزنا، وقيل: المسافحة، المبذولة، وذات الخدن، التي تزني بواحد. وكانت العرب تعيب الإعلان بالزنا، ولا تعيب اتخاذ الأخدان، ثم رفع الإسلام جميع ذلك، قال الله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151]. قوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قرأ عاصم، وحمزة، والكسائي بفتح الهمزة، وقرأ الباقون بضمها. والمراد بالإحصان هنا: الإسلام. روي ذلك عن ابن مسعود، وابن عمر، وأنس، والأسود بن يزيد، وزرّ بن حبيش، وسعيد بن جبير، وعطاء، وإبراهيم النخعي، والشعبي، والسديّ، وروي عن عمر بن الخطاب، بإسناد منقطع، وهو الذي نص عليه الشافعي، وبه قال الجمهور.وقال ابن عباس، وأبو الدرداء، ومجاهد، وعكرمة، وطاوس، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، وغيرهم: إنه التزويج.وروي عن الشافعي. فعلى القول الأوّل لا حدّ على الأمة الكافرة. وعلى القول الثاني لا حدّ على الأمة التي لم تتزوج.وقال القاسم وسالم: إحصانها: إسلامها، وعفافها.وقال ابن جرير: إن معنى القراءتين مختلف، فمن قرأ: {أحصنّ} بضم الهمزة، فمعناه التزويج، ومن قرأ بفتح الهمزة، فمعناه الإسلام.وقال قوم: إن الإحصان المذكور في الآية هو: التزوج، ولكن الحدّ واجب على الأمة المسلمة إذا زنت قبل أن تتزوّج بالسنة، وبه قال الزهري. قال ابن عبد البر: ظاهر قول الله عزّ وجل يقتضي أنه لا حدّ على الأمة، وإن كانت مسلمة إلا بعد التزويج، ثم جاءت السنة بجلدها، وإن لم تحصن، وكان ذلك زيادة بيان. قال القرطبي: ظهر المسلم حمى لا يستباح إلا بيقين، ولا يقين مع الاختلاف لولا ما جاء في صحيح السنة من الجلد.قال ابن كثير في تفسيره: والأظهر، والله أعلم أن المراد بالإحصان هنا: التزويج؛ لأن سياق الآية يدل عليه حيث يقول سبحانه: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً} إلى قوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} فالسياق كله في الفتيات المؤمنات، فتعين أن المراد بقوله: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} أي: تزوجن، كما فسره به ابن عباس، ومن تبعه، قال: وعلى كلّ من القولين إشكال على مذهب الجمهور؛ لأنهم يقولون إن الأمة إذا زنت فعليها خمسون جلدة سواء كانت مسلمة، أو كافرة مزوجة، أو بكراً، مع أن مفهوم الآية يقتضي أنه لا حد على غير المحصنة من الإماء.وقد اختلفت أجوبتهم عن ذلك، ثم ذكر أن منهم من أجاب، وهم الجمهور بتقديم منطوق الأحاديث على هذا المفهوم، ومنهم من عمل على مفهوم الآية، وقال: إذا زنت، ولم تحصن، فلا حدّ عليها، وإنما تضرب تأديباً. قال: وهو المحكي عن ابن عباس، وإليه ذهب طاوس، وسعيد بن جبير، وأبو عبيد، وداود الظاهري في رواية عنه، فهؤلاء قدموا مفهوم الآية على العموم، وأجابوا عن مثل حديث أبي هريرة، وزيد بن خالد في الصحيحين، وغيرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الأمة: إذا زنت، ولم تحصن، قال: «إن زنت، فاجلدوها، ثم إن زنت، فاجلدوها، ثم إن زنت، فاجلدوها، ثم بيعوها، ولو بضفير» بأن المراد بالجلد هنا: التأديب، وهو تعسف، وأيضاً قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا زنت أمة أحدكم، فليجلدها الحدّ، ولا يثرّب عليها. ثم إن زنت، فليجلدها الحد» الحديث. ولمسلم من حديث علي قال: «يا أيها الناس أقيموا على أرقائكم الحدّ من أحصن، ومن لم يحصن، فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت، فأمرني أن أجلدها» الحديث.وأما ما أخرجه سعيد بن منصور، وابن خزيمة، والبيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على الأمة حدّ حتى تحصن بزوج، فإذا أحصنت بزوج فعليها نصف ما على المحصنات من العذاب» فقد قال ابن خزيمة، والبيهقي: إن رفعه خطأ، والصواب وقفه.قوله: {فَإِنْ أَتَيْنَ بفاحشة} الفاحشة هنا الزنا: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات} أي: الحرائر الأبكار؛ لأن الثيب عليها الرجم، وهو لا يتبعض، وقيل المراد بالمحصنات هنا: المزوّجات؛ لأن عليهنّ الجلد، والرجم، والرجم لا يتبعض، فصار عليهنّ نصف ما عليهنّ من الجلد. والمراد بالعذاب هنا: الجلد، وإنما نقص حدّ الإماء عن حدّ الحرائر؛ لأنهنّ أضعف. وقيل: لأنهنّ لا يصلن إلى مرادهنّ، كما تصل الحرائر؛ وقيل: لأن العقوبة تجب على قدر النعمة، كما في قوله تعالى: {يُضَاعَفْ لَهَا العذاب ضِعْفَيْنِ} [الأحزاب: 30] ولم يذكر الله سبحانه في هذه الآية العبيد، وهم لاحقون بالإماء بطريق القياس.وكما يكون على الإماء، والعبيد نصف الحدّ في الزنا، كذلك يكون عليهم نصف الحدّ في القذف والشرب. والإشارة بقوله: {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ} إلى نكاح الإماء. والعنت: الوقوع في الإثم، وأصله في اللغة انكسار العظم بعد الجبر، ثم استعير لكل مشقة {وَأَن تَصْبِرُواْ} عن نكاح الإماء {خَيْرٌ لَّكُمْ} من نكاحهنّ، أي: صبركم خير لكم؛ لأن نكاحهنّ يفضي إلى إرقاق الولد، والغضّ من النفس.قوله: {يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ} اللام هنا هي لام كي التي تعاقب: أن. قال الفراء: العرب تعاقب بين لام كي وأن، فتأتي باللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت، وأمرت، فيقولون أردت أن تفعل، وأردت لتفعل، ومنه: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُواْ نُورَ الله بأفواههم} [الصف: 8] {وَأُمِرْتُ لاِعْدِلَ بَيْنَكُمُ} [الشورى: 15] {وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبّ العالمين} [الأنعام: 71] ومنه: وحكى الزجاج هذا القول وقال: لو كانت اللام بمعنى أن لدخلت عليها لام أخرى، كما تقول: جئت كي تكرمني، ثم تقول: جئت لكي تكرمني، وأنشد: وقيل اللام زائدة لتأكيد معنى الاستقبال، أو لتأكيد إرادة التبيين، ومفعول يبين محذوف، أي: ليبين لكم ما خفي عليكم من الخير، وقيل: مفعول يريد محذوف، أي: يريد الله هذا ليبين لكم، وبه قال البصريون، وهو مرويّ، عن سيبويه. وقيل: اللام بنفسها ناصبة للفعل من غير إضمار أن، وهي وما بعدها مفعول للفعل المتقدّم، وهو مثل قول الفراء السابق.وقال بعض البصريين: إن قوله: {يُرِيدُ} مؤول بالمصدر مرفوع بالابتداء مثل: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. ومعنى الآية: يريد الله ليبين لكم مصالح دينكم، وما يحلّ لكم، وما يحرم عليكم: {وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ} أي: طرقهم، وهم الأنبياء، وأتباعهم لتقتدوا بهم: {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} أي: ويريد أن يتوب عليكم فتوبوا إليه، وتلافوا ما فرط منكم بالتوبة يغفر لكم ذنوبكم.{والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ} هذا تأكيد لما قد فهم من قوله: {وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ} المتقدّم. وقيل: الأوّل معناه للإرشاد إلى الطاعات، والثاني فعل أسبابها. وقيل: إن الثاني لبيان كمال منفعة إرادته سبحانه، وكمال ضرر ما يريده الذين يتبعون الشهوات، وليس المراد به: مجرد إرادة التوبة حتى يكون من باب التكرير للتأكيد. قيل: هذه الإرادة منه سبحانه في جميع أحكام الشرع. وقيل: في نكاح الأمة فقط.واختلف في تعيين المتبعين للشهوات، فقيل: هم الزناة، وقيل: اليهود والنصارى. وقيل: اليهود خاصة. وقيل هم المجوس؛ لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب. والأوّل أولى. والميل: العدول عن طريق الاستواء. والمراد بالشهوات هنا: ما حرّمه الشرع دون ما أحله. ووصف الميل بالعظم بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة نادراً.قوله: {يُرِيدُ اللهُ يُخَفّفَ عَنْكُمْ} بما مرّ من الترخيص لكم، أو بكل ما فيه تخفيف عليكم: {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} عاجزاً غير قادر على ملك نفسه، ودفعها عن شهواتها، وفاء بحق التكليف، فهو محتاج من هذه الحيثية إلى التخفيف، فلهذا أراد الله سبحانه التخفيف عنه.وقد أخرج البخاري، وغيره عن ابن عباس قال: حرم من النسب سبع، ومن الصهر سبع، ثم قرأ: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم} إلى قوله: {وَبَنَاتُ الأخت} هذا من النسب. وباقي الآية من الصهر، والسابعة: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ ءابَاؤُكُمْ مّنَ النساء}.وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي، عن عمران بن حصين في قوله: {وأمهات نِسَائِكُمْ} قال: هي مبهمة.وأخرج هؤلاء، عن ابن عباس قال: هي مبهمة إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها، أو ماتت لم تحلّ له أمها.وأخرج هؤلاء إلا البيهقي، عن علي في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها، أو ماتت قبل أن يدخل بها هل تحل له أمها؟ قال: هي بمنزلة الربيبة.وأخرج هؤلاء عن زيد بن ثابت أنه كان يقول: إذا ماتت عنده، فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها، وإذا طلقها قبل أن يدخل بها، فلا بأس أن يتزوج أمها.وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، عن مجاهد قال في قوله: {وأمهات نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاتى في حُجُورِكُمْ} اللاتي أريد بهما الدخول جميعاً.وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، عن عبد الله بن الزبير قال: الربيبة والأم سواء لا بأس بها إذا لم يدخل بالمرأة.وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي حاتم، بسند صحيح، عن مالك بن أوس بن الحدثان قال: كانت عندي امرأة، فتوفيت، وقد ولدت لي فوجدت عليها، فلقيني عليّ بن أبي طالب، فقال: مالك؟ فقلت: توفيت المرأة، فقال عليّ: لها ابنة؟ قلت: نعم، وهي بالطائف، قال: كانت في حجرك؟ قلت لا، قال: فانكحها، قلت: فأين قول الله: {وَرَبَائِبُكُمُ اللاتى في حُجُورِكُمْ}؟ قال: إنها لم تكن في حجرك.وقد قدّمنا قول من قال: إنه إسناد ثابت على شرط مسلم.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس قال: الدخول الجماع.وأخرج عبد الرزاق في المصنف، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن عطاء قال: كنا نتحدث أن محمداً صلى الله عليه وسلم لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك، فأنزل الله: {وحلائل أَبْنَائِكُمُ الذين مِنْ أصلابكم} ونزلت: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ} [الأحزاب: 4] ونزلت: {مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مّن رّجَالِكُمْ} [الأحزاب: 40].وأخرج ابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأختين} قال يعني في النكاح.وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال: ذلك في الحرائر، فأما المماليك، فلا بأس.وأخرج ابن المنذر عنه نحوه من طريق أخرى.وأخرج مالك، والشافعي، وعبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد ابن حميد، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن عثمان بن عفان: أن رجلاً سأله عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ قال: أحلتهما آية وحرّمتهما آية، وما كنت لأصنع ذلك، فخرج من عنده، فلقي رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أراه علي بن أبي طالب، فسأله عن ذلك، فقال: لو كان لي من الأمر شيء، ثم وجدت أحداً فعل ذلك لجعلته نكالاً.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، والبيهقي عن علي: أنه سئل عن رجل له أمتان أختان، وطئ إحداهما، وأراد أن يطأ الأخرى، فقال: لا حتى يخرجها من ملكه. وقيل: فإن زوجها عبده؟ قال: لا حتى يخرجها من ملكه.وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي حاتم، والطبراني، عن ابن مسعود أنه سئل عن الرجل يجمع بين الأختين الأمتين، فكرهه، فقيل: يقول الله: {إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم} فقال: وبعيرك أيضاً مما ملكت يمينك.وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي، من طريق أبي صالح، عن عليّ بن أبي طالب قال في الأختين المملوكتين: أحلتهما آية، وحرّمتهما آية، ولا آمر، ولا أنهى، ولا أحلّ، ولا أحرّم، ولا أفعل أنا، وأهل بيتي.وأخرج أحمد عن قيس قال: قلت لابن عباس: أيقع الرجل على المرأة، وابنتها مملوكتين له؟ فقال: أحلتهما آية، وحرّمتهما آية، ولم أكن لأفعله.وأخرج عبد الرزاق، والبيهقي عنه في الأختين من ملك اليمين: أحلتهما آية، وحرّمتهما آية.وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، والبيهقي، عن ابن عمر قال: إذا كان للرجل جاريتان أختان، فغشى إحداهما، فلا يقرب الأخرى حتى يخرج التي غشى من ملكه.وأخرج البيهقي، عن مقاتل بن سليمان قال: إنما قال الله في نساء الآباء: {إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} لأن العرب كانوا ينكحون نساء الآباء، ثم حرم النسب والصهر، فلم يقل إلا ما قد سلف؛ لأن العرب كانت لا تنكح النسب، والصهر.وقال في الأختين: {إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ} لأنهم كانوا يجمعون بينهما، فحرم جمعهما جميعاً إلا ما قد سلف قبل التحريم: {إِنَّ الله كَانَ غَفُوراً رَّحِيماً} لما كان من جماع الأختين قبل التحريم.وأخرج أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وغيرهم، عن أبي سعيد الخدري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث يوم حنين جيشاً إلى أوطاس، فلقوا عدواً، فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا لهم سبايا، فكأن ناساً من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله في ذلك: {والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم} يقول: إلا ما أفاء الله عليكم.وأخرج الطبراني عن ابن عباس أن ذلك سبب نزول الآية.وأخرج ابن أبي شيبة، عن سعيد بن جبير مثله.وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله: {والمحصنات مِنَ النساء} قال: كل ذات زوج إتيانها زنا إلا ما سبيت.وأخرج الفريابي، وابن أبي شيبة، والطبراني، عن عليّ، وابن مسعود في قوله: {والمحصنات مِنَ النساء إِلاَّ مَا مَلَكْتَ أيمانكم} قال: على المشركات إذا سبين حلت له.وقال ابن مسعود: المشركات والمسلمات.وأخرج ابن جرير، عن ابن مسعود قال: إذا بيعت الأمة، ولها زوج، فسيدها أحق ببضعها.وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {والمحصنات مِنَ النساء} قال: ذوات الأزواج.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عن أنس بن مالك مثله.وأخرج ابن أبي شيبة، عن ابن مسعود مثله.وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، عن ابن عباس في قوله: {والمحصنات} قال: العفيفة العاقلة من مسلمة، أو من أهل الكتاب.وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، عنه في الآية قال: لا يحل له أن يتزوج فوق الأربع، فما زاد، فهو عليه حرام، كأمه وأخته.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن أبي العالية في قوله: {والمحصنات مِنَ النساء} قال: يقول انكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى، وثلاث، ورباع، ثم حرّم ما حرّم من النسب، والصهر، ثم قال: {والمحصنات مِنَ النساء} فرجع إلى أول السورة، فقال: هنّ حرام أيضاً، إلا لمن نكح بصداق وسنة وشهود.وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير، عن عبيدة قال: أحلّ الله لك أربعاً في أوّل السورة، وحرّم نكاح كل محصنة بعد الأربع إلا ما ملكت يمينك.وأخرج ابن أبي حاتم، عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الإحصان إحصانان: إحصان نكاح، وإحصان عفاف» فمن قرأها والمحصنات بكسر الصاد، فهن العفائف، ومن قرأها والمحصنات بالفتح، فهنّ المتزوجات. قال ابن أبي حاتم: قال أبيّ هذا حديث منكر.وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} قال: ما وراء هذا النسب.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدّي قال: ما دون الأربع.وأخرج ابن جرير، عن عطاء قال: ما وراء ذات القرابة.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة في قوله: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} قال: ما ملكت أيمانكم.وأخرج ابن أبي حاتم، عن عبيدة السلماني نحوه.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد في قوله: {مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مسافحين} قال غير زانين.وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن عباس مثله.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {فآتوهن أجورهن} يقول: إذا تزوج الرجل منكم المرأة، ثم نكحها مرة واحدة، فقد وجب صداقها كله، والاستمتاع هو: النكاح، وهو قوله: {وَءاتُواْ النساء صدقاتهن} [النساء: 4].وأخرج الطبراني، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس قال: كانت المتعة في أوّل الإسلام، وكانوا يقرءون هذه الآية: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [النساء: 24] الآية، فكان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج بقدر ما يرى أنه يفرغ من حاجته؛ ليحفظ متاعه، ويصلح شأنه. حتى نزلت هذه الآية: {حُرّمَتْ عَلَيْكُمْ أمهاتكم} فنسخت الأولى، فحرّمت المتعة، وتصديقها من القرآن: {إِلاَّ على أزواجهم أَوْ مَا مَلَكَتْ أيمانهم} [المؤمنون: 6] وما سوى هذا الفرج فهو حرام.وقد أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف، والحاكم وصححه: أن ابن عباس قرأ: {فَمَا استمتعتم بِهِ مِنْهُنَّ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى} [النساء: 24] وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن أبيّ بن كعب أنه قرأها كذلك.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، عن مجاهد، أن هذه الآية في نكاح المتعة، وكذلك أخرج ابن جرير، عن السدّي، والأحاديث في تحليل المتعة، ثم تحريمها، وهل كان نسخها مرة، أو مرّتين؟ مذكورة في كتب الحديث.وقد أخرج ابن جرير في تهذيبه، وابن المنذر، والطبراني، والبيهقي، عن سعيد بن جبير قال: قلت لابن عباس: ماذا صنعت؟ ذهبت الركاب بفتياك، وقالت فيها الشعراء قال: وما قالوا؟ قلت: قالوا: فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، لا والله ما بهذا أفتيت، ولا هذا أردت، ولا أحللتها إلا للمضطر وفي لفظ، ولا أحللت منها إلا ما أحل الله من الميتة، والدم، ولحم الخنزير.وأخرج ابن جرير، عن حضرمي أن رجالاً كانوا يفرضون المهر، ثم عسى أن تدرك أحدهم العسرة، فقال الله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِن بَعْدِ الفريضة}.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ} قال: الراضي أن يوفى لها صداقها، ثم يخيرها.وأخرج ابن جرير، عن ابن زيد في الآية قال: إن وضعت لك منه شيئاً، فهو سائغ.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه عن ابن عباس: {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً} يقول: من لم يكن له سعة {أَن يَنكِحَ المحصنات} يقول الحرائر: {فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} فلينكح من إماء المؤمنين {محصنات غَيْرَ مسافحات} يعني عفائف غير زواني في سرّ.ولا علانية {وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} يعني أخلاء {فَإِذَا أُحْصِنَّ} ثم إذا تزوجت حراً، ثم زنت {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المحصنات مِنَ العذاب} قال: من الجلد {ذَلِكَ لِمَنْ خَشِىَ العنت مِنْكُمْ} هو: الزنا، فليس لأحد من الأحرار أن ينكح أمة إلا أن لا يقدر على حرة، وهو يخشى العنت {وَأَن تَصْبِرُواْ} عن نكاح الإماء {فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ}.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، والبيهقي، عن مجاهد {وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً} يعني من لا يجد منكم غنى {أَن يَنكِحَ المحصنات} يعني: الحرائر، فلينكح الأمة المؤمنة {وَأَن تَصْبِرُواْ} عن نكاح الإماء {خَيْرٌ لَّكُمْ} وهو حلال.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر، عنه قال مما وسع الله به على هذه الأمة، نكاح الأمة النصرانية واليهودية وإن كان موسراً.وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، والبيهقي عنه قال: لا يصلح نكاح إماء أهل الكتاب؛ لأن الله يقول: {مّن فتياتكم المؤمنات}.وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، عن الحسن: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن تنكح الأمة على الحرّة، والحرّة على الأمة، ومن وجد طولاً لحرّة، فلا ينكح أمة.وأخرج ابن أبي شيبة، والبيهقي عن ابن عباس قال: لا يتزوج الحرّ من الإماء إلا واحدة.وأخرج ابن أبي شيبة، عن قتادة نحوه.وأخرج ابن أبي حاتم، عن مقاتل في قوله: {والله أَعْلَمُ بإيمانكم بَعْضُكُمْ مّن بَعْضٍ} يقول: أنتم إخوة بعضكم من بعض.وأخرج ابن المنذر، عن السدّي: {فانكحوهن بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} قال: بإذن مواليهن: {وآتوهن أجورهن} قال: مهورهنّ.وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس قال: المسافحات المعلنات بالزنا، والمتخذات أخدان: ذات الخليل الواحد. قال: كان أهل الجاهلية يحرّمون ما ظهر من الزنا، ويستحلون ما خفي، فأنزل الله: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الفواحش مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151].وأخرج ابن أبي حاتم، عن عليّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {فَإِذَا أُحْصِنَّ} قال: «إحصانها إسلامها» وقال عليّ: اجلدوهنّ. قال ابن أبي حاتم، حديث منكر، وقال ابن كثير في إسناده ضعف، ومبهم لم يسم، ومثله لا تقوم به حجة.وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، عن ابن عباس قال: حدّ العبد يفتري على الحرّ أربعون.وأخرج ابن جرير عنه قال: العنت الزنا.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن السدّي: {وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات} قال: هم اليهود، والنصارى.وأخرج ابن المنذر، عن ابن عباس: {وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات} قال: الزنا.وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، عن مجاهد: {يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ} يقول: في نكاح الأمة، وفي كل شيء فيه يسر.وأخرج ابن جرير، عن ابن زيد: {يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ} قال: رخص لكم في نكاح الإماء {وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} قال: لو لم يرخص له فيها.وأخرج ابن جرير، والبيهقي في الشعب، عن ابن عباس قال: ثماني آيات نزلت في سورة النساء هنّ خير لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس، وغربت: أوّلهنّ: {يُرِيدُ الله لِيُبَيّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الذين مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ والله عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [النساء: 26]، والثانية: {والله يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الذين يَتَّبِعُونَ الشهوات أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عظيماً} [النساء: 27]، والثالثة: {عَظِيماً يُرِيدُ الله أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً} [النساء: 28]، والرابعة: {إِن تَجْتَنِبُواْ كَبَائِرَ مَا تُنهَوْنَ عَنْهُ نُكَفّرْ عَنْكُمْ سيئاتكم وَنُدْخِلْكُمْ مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: 31]، والخامسة: {إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء: 40] الآية، والسادسة: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ الله} [النساء: 110] الآية، والسابعة: {إِنَّ الله لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 116] الآية، والثامنة: {والذين ءامَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرّقُواْ بَيْنَ أَحَدٍ مّنْهُمْ أُوْلَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ الله} للذين عملوا من الذنوب {غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء: 152].
|